زياد الرحباني… وجع الغياب القاسي في قلب فيروز الأم والقيثارة

ishraq

الاشراق

الاشراق | متابعة.

الأكثر ألماً في رحيل الفنان زياد الرحباني، ليس فراقه فحسب، لكنه وجع في قلب قيثارة الشرق فيروز سيظل يسكنه، فما أقسى أن يرحل فلذة الأكباد قبل والديهم، إنها المحنه الحقيقية والاختبار الصعب لمن ربى وحمل ابنه على كتفيه سنوات، وغنى له حتى كبر وصار صديقاً ورفيقاً ومؤنساً في الليالي الحالكة والزمان الموحش.

  إنها قصة فيروز، تلك المطربة العربية الكبيرة، التي جاء ختامها مأساوياً وحزيناً وهي تعيش شيخوختها وتتكئ على ذراع ابنها في المرحلة الأخيرة من عمرها. كان زياد السند والرفيق والصديق وبوصلة الأم في عالمها الغنائي، الذي اتسع أفقه وفُتحت سماواته للصوت الفريد، الذي ترددت أصداؤه في أرجاء الأمة وباتت موسيقاه تُطرب الآذان وتُثلج الصدور وتُبهج القلوب وتمحو الهموم. كان زياد الرحباني شريكاً أصيلاً في مسيرة أمة الغنائية الطويلة، فقد غنى معها ألحانه في لحظات الإعداد والتحضير، وعاش إحساسها وقت الشدو على المسرح، وصفق لها قبل أن يُصفق الجمهور، فما أجمل العناوين التي حملت ألحان الابن للأم المُبدعة، وخفقت لها قلوب الملايين في ربوع الوطن الكبير، «حنين»، «عندي ثقة فيك»، «البوستة» و «عودك رنان»، تلك هي الرسائل الغنائية اللحنية التي تبادلاها معاً كأنهما يتحدثان عن نفسيهما وعن سر التواصل بينهما، ليس ككيانين متصلين بالروح والدم فقط، وإنما كطائرين يُحلقان في فضاء واسع ممتد ويصدحان بأروع ما جادت به موهبتيهما. إنها العلاقة الفطرية الربانية بين فيروز الأم والفنانة، وزياد الابن المُبدع الفيلسوف المُفكر السياسي، روابط قلما وجدت بين اثنين بهذا الوضوح، وإن اختلفت وجهات النظر أحياناً، فالاتفاق على وجهة الفن الراقي كانت كفيلة بتبديد الغيوم العابرة بين الموهبتين الكبيرتين.
لا شيء يعكر الصفو غير الموت وحده، جاء ليُسجل أول حالة من حالات الفراق الدائم بين الحبيبين ويقطع الحبل الإبداعي الواصل بين القامتين الكبيرتين، فتسكت الأغاني وتكف الآلات الموسيقية عن العزف بعد سنوات الحضور والزهو والأصداء القوية لرنين الصوت والأناشيد. ونعود لعناوين الأغاني الموحية في مسيرة التعاون الطويلة بين فيروز وزياد لنتأمل المعاني في ما جادت به القريحة كتابة ولحناً وغناءً، فها هي العناوين تتحدث عن نفسها.. «مش قصة هاي»، «بعتلك»، «قديش كان فيه ناس»، «سلملي عليه»، «نظرونا»، «سألوني الناس».
كل هذه العناوين كانت دلالات على التفاهم والانسجام الفني بين الطرفين المُبدعين، غير أنها انطوت على تفاصيل عاشوها معاً، بين فرحة بالنجاح وخوف من الإخفاق، وحرص شديد على رضا الجمهور، واكتمال الصورة الذهنية لدى جموع الملايين عن الآهات والآلام وما خفي من الهموم السياسية والشخصية، بين سطور الكلمات وكوبليهات الأغاني والوصلات الموسيقية والسكتات اللحنية، حيث كل شيء يوحي بشيء ويرمز إلى ما يؤرق الفنانين الكبيرين.
كان زياد الرحباني فناناً مشغولاً بالسياسة وقضايا بلاده ووطنه، لذا نضج إحساسه النقدي وزاد حماسه تجاه الإبداع البناء الذي يحمل وجهة نظر، فما أدل على نقده الجريء من عناوينه الجريئة أيضاً في موسيقاه التصويرية لبعض الأعمال المسرحية والأفلام، «أمرك سيدنا»، «أبطال وحرامية»، «نهلة»، «وقائع العام المُقبل»، «بيروت»، «ظلال الصمت»، «طيارة من ورق»، «ميس الريم» وغيرها من التنويعات الدالة على وعيه وثقافته واختلافه وأهميته كإنسان وفنان لا يكتفي بالطرح، وإنما يُعززه بالرؤية النقدية الحادة والشجاعة.
قدم الفنان الراحل زياد الرحباني لإذاعة صوت العرب من لبنان بعض البرامج الخاصة والمهمة، من بينها برنامج «بعدنا طيبين» و»قول الله» و»نص الألف خمسمئة» و»يا ما أحلامكم». غير أنه شارك في مهرجان القاهرة الدولي لموسيقى الجاز في عام 2010 وترك انطباعاً إيجابياً قوياً لدى الجمهور المصري، الذي استقبل موسيقاه بترحاب واستيعاب ولم يغترب مع فنه وإبداعه الجديدين حينئذ.
الآن وفي لحظة الإحساس المرير بالفقد ينتبه الجمهور المصري والعربي إلى قيمة الفنان الراحل، ودوره في تأكيد هوية الموسيقى العربية بتاريخها العريق وطابعها المتميز وإسهامها القوي في تنمية الوعي وإدراك الخصوصية العربية بأبعادها الفنية والحضارية والسياسية والإنسانية، كحصانة ودرع ومظلة لكل الشعوب الحرة المُناضلة شريطة التمسك بها والمُحافظة عليها.

تدوينة للكاتب كمال القاضي.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP