قبل 1 شهر
عبد الباري عطوان
54 قراءة

هل الاستِدعاء العاجل والمُفاجئ لنتنياهو من قِبَل ترامب مُقدّمة للعُدوان على إيران

مُنذ انهيار الاتّفاق النووي بين إيران والدول الست العُظمى بزعامة الولايات المتحدة الذي جرى توقيعه عام 2015 بعد قرار إدارة ترامب الأولى بالانسحاب منه وتمزيقه عام 2018، ونحن نُواجه سيلًا من التّهديدات والتّسريبات عن عُدوانٍ أمريكيّ- إسرائيليّ وشيك لتدمير إيران وتغيير النظام فيها، وتزايدت وتيرة هذه التّهديدات وحدّتها مُنذ استلام الرئيس دونالد ترامب السّلطة مطلع هذا العام، وبلغت ذروتها بإعطائه مُهلة شهرين للسيّد علي خامنئي المُرشد الأعلى للتّوقيع على اتّفاقٍ جديد أو مُواجهةِ “ضربةٍ قاضية”.

بعد إعلانه الحرب التجاريّة والاقتصاديّة على أكثر من 200 دولة في العالم بفرض ضرائب جُمركيّة على صادراتها لبلاده، سيدخل دونالد ترامب التاريخ بتحويل بلاده إلى أكثر دولةٍ مكروهة في العالم، وتدميرها للنّظام الرّأسمال العالمي “الحُر”، وفكّ التّحالف الغربيّ الاستراتيجيّ الذي تزعّمته بلاده مُنذ الحرب العالميّة الثانية، بشقّيه العسكريّ (حلف الناتو)، والاقتصادي السياسيّ (منظومة الدول السبع)، الأمر الذي سيصب في مصلحة الصين وروسيا ومنظومة “البريكس” التي يتزعّمانها، وأوّل مهامها إنهاء سيطرة الدولار والهيمنة الماليّة الأمريكيّة.

عندما يبادر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “بجلالة قدره” بالاتصال بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم الثلاثاء، والذريعة هي تهنئته بعيد الفطر المبارك، فان هذا يعني ان من بادر بالاتصال يعيش في أزمة، ويريد مساعدة الرئيس المصري للخروج منها، فليس من عادة الرئيس ترامب، ومعظم الرؤساء الأمريكيين ان يبادروا بالاتصال بزعماء العالم الثالث للتهنئة بالأعياد، خاصة رئيس رفض دعوتهم لزيارة البيت الأبيض، رفضا لإملاءاتهم، ونحن نتحدث هنا عن الرئيس المصري الذي قال “لا” للغطرسة الامريكية ورفض مجرد مناقشة خططها لتهجير أبناء قطاع غزة، مثلما رفض ان يكون زيلينسكي آخر، سواء اتفق معه البعض او اختلف.

يبدو أنّ حركة المُقاومة الإسلاميّة “حماس” وقيادة الجناح العسكري المُتشدّد فيها المُتواجد على جبهات المُواجهة في قطاع غزة والضفّة الغربيّة تحديدًا، اتّخذت قرارًا بنقل الهجمات إلى السّفارات والمصالح الإسرائيليّة، وربّما الأمريكيّة والأوروبيّة أيضًا، إلى كُلّ بُقعَةٍ في العالم، والسّير على نهج المُقاومين الأوائل وخاصَّةً كتائب “أيلول الأسود” الفتحاويّة التي أسّسها وتزعّمها الشّهيد صلاح خلف (أبو إياد)، والذّراع الخارجي للجبهة الشعبيّة لتحرير فِلسطين بزعامة الشّهيد وديع حداد التي تجسّدت في خطف الطّائرات، وشن هجمات على مطارات أوروبيّة، ومُسابقات رياضيّة (أولمبياد ميونخ).

كرّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهديداته إلى إيران بالقول بأنّها ستُواجه “أمورًا سيّئة” إذا أخفقت في التوصّل إلى اتّفاقٍ حول برنامجها النووي في غُضون “مُهلة الشّهرين” التي منحها لها في رسالته التي بعثها إلى المُرشد الأعلى السيّد علي خامنئي عبر دولة الإمارات العربيّة المتحدة.
هذه التّهديدات التي تعكس قمّة الوقاحة والاستِكبار ما كان يجب لها أن تصدر عن رئيس دولة عُظمى مِثل الولايات المتحدة الأمريكيّة التي تدّعي زعامة “العالم الحُر” ويُؤكّد في كُلّ أحاديثه بعد فوزه بالرّئاسة، أو أثناء حملته الانتخابيّة، بأنّه سيعمل مِن أجل السّلام وتجنّب الحُروب في العالم.

قبل أيّام التقيتُ بصديقٍ قديم يتردّد على مِصر بين الحينِ والآخر، بحُكم عمله في مِنطقة الخليج، وعلاقاته القويّة مع النّخبة الاقتصاديّة المِصريّة غير الرسميّة، الحديث طال بيننا عن مِصر التي كُنت أعرفها جيّدًا بحُكم الدّراسة في جامعاتها، والنّقطة الأبرز التي توقّفت عندها قوله إنّ مِصر تعيشُ حاليًّا حالة غليان شعبي لم يعرف مِثلها طِوال الخمسين عامًا الماضية، وسبب هذا الغليان الرّئيسي هو التّعاطف مع أهل قطاع غزة وحرب الإبادة التي يُواجهونها، والتّجويع الذي يعيشونه بسبب إغلاق المعابر، ومنع دُخول جميع المُساعدات الغذائيّة الأُخرى، الأمر الذي قد يجعل الانفِجار وشيكًا.

بعد حالةٍ من الصّمت استمرّت حواليّ أربعة أشهر تقريبًا مُنذ تولّيها الحُكم بعد إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، “استنكرت وزارة الخارجيّة في إدارة حُكم الرئيس أحمد الشرع (الجولاني سابقًا)، القصف والتوغّل الإسرائيليّ في مُحافظة درعا، وطالبت بفتحِ تحقيقٍ دوليٍّ بشأنِ انتهاكات تل أبيب لسِيادتها والجرائم التي تُرتكب بحقّ مُواطنيها”.
هذا الموقف اللّافت جاء فيما يبدو بعد أن تعاظمت هذه الانتِهاكات الإسرائيليّة، ولم تَعُد تقتصر على تدمير المطارات العسكريّة ومخازن المعدّات والأسلحة للنّظام السّابق، واحتلال أراضي سُوريّة مِثل القنيطرة وجبل الشايب والمِنطقة الجنوبيّة العازلة، وتطوّرت إلى قصفِ تجمّعاتٍ سكنيّةٍ بشَكلٍ مُكثّف في قرية كويا في ريف درعا الغربي ممّا أدّى إلى استِشهاد ستّة مُواطنين سوريين وإصابة العشرات، بعضهم جُروحه خطيرة وقاتلة.

نعت حركة المُقاومة الإسلاميّة “حماس” اليوم صلاح البردويل عُضو المكتب السّياسي الذي استشهد وزوجته في غارةٍ إسرائيليّةٍ على خيمة أُسرته في مِنطقة المواصي في أطراف مدينة خان يونس ليُصبح ثالث عُضو مكتب سياسي للحركة يستشهد مُنذ استِئناف مجازر حرب الإبادة في القطاع في الثّامن من آذار (مارس) الجاري.
الشّهيد البردويل وزميليه ياسر حرب وعصام الدعليس لم يستشهدوا في فندق من خمسة نجوم، ولا في قصرٍ فاخر يعجّ بالخدم والحشم، والصّالونات الفاخرة، وإنّما في خيمةٍ باليةٍ أُسوةً بالغالبيّة السّاحقة من أبناء القطاع، حيث لا كهرباء ولا ماء سواءً للشّرب أو الوضوء في هذا الشّهر الفضيل، ناهيك عن المجاعة التي يُواجهونها بعد إغلاق جميع المعابر ووقف جميع المُساعدات الإنسانيّة والطبيّة والغذائيّة، والهدف واضحٌ وهو جعل القطاع مِنطقةً غير قابلةٍ للعيش، كمُقدّمة لإجبارهم على الهجرة، وقد قالها بنيامين نتنياهو “أنتم كُنتم تقولون إنّ غزة سجنٌ كبيرٌ مفتوح ها نحنُ نفتح لكُم أبواب الخُروج ومجّانًا، إلى أماكنٍ آمنةٍ مُزدهرةٍ في العالم”.

إطلاق ثلاثة صواريخ من منصّاتٍ “بدائيّة الصُّنع” جرى نصبها شمال نهر الليطاني في جنوب لبنان، باتّجاه مُستوطنة المطلة في شمال الجليل، أصاب دولة الاحتلال الإسرائيلي وقيادتها بحالةٍ من الرعب لعدّة أسباب أبرزها: أنّ “حزب الله” تبرّأ من هذه العمليّة، ونأى بالنّفس عنها لسحب الأعذار وزيادة الارتباك والقلق، وإفشال أي مُحاولة للصّدام مع الجيش اللبناني، وثانيها أنّ الصّواريخ أفشلت كُل الوعود التي قدّمتها حُكومة بنيامين نتنياهو لمُستوطني الشّمال بعودةٍ قريبةٍ إلى مُستوطناتهم في شمال فلسطين المحتلة، وثالثها وأهمّها في رأينا، احتمال تبلور وتصاعد نُشوء حركات جديدة بدون مرجعيّة سياسيّة أو عسكريّة معروفة، ترفع رايات المُقاومة، وتبدأ حيثُ توقّف “حزب الله” “مُؤقّتًا” التزامًا باحترام قرار وقف إطلاق النّار، ودعم السّلطات الرسميّة اللبنانيّة التي وقّعته بوساطةٍ أمريكيّة.

يبدو أنّ “فرحة” الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان بالإنجازات السياسيّة الكبيرة التي جرى تحقيقها في الفترةِ الأخيرة، وتمثّلت في إسقاط النظام السوري واستِبداله بحركة تحرير الشام بزعامة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني سابقًا)، وإعلان عبد الله أوجلان زعيم حزب العمّال الكردستاني المُعارض بقُبول وقف القتال وإلقاء السّلاح، يبدو أنّ هذه الفرحة لم تُعمّر طويلًا، والفضْلُ في ذلك يعود إلى قرار الرئيس أردوغان المُفاجئ باعتقال أكرم إمام أوغلو رئيس بلديّة إسطنبول وقبل ثلاثة أيّام من إعلان المُعارضة ترشيحه لخوص انتخابات الرّئاسة مُنافسًا له، وهو الاعتِقال الذي أدّى إلى انفجار مُظاهرات ضخمة في العاصمتين التجاريّة (إسطنبول) والسياسيّة (أنقرة) وعدّة مُدُن أُخرى، وحُدوث هزّة قويّة في الأسواق الماليّة (انخفضت الأسهم بحواليّ 10 بالمئة)، وانخفاض كبير في قيمة الليرة العملة الوطنيّة.

 

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP